تداخل الفقيه بالسياسة !

 

يشيع في أوساط دارسي الشريعة أن كل أمر سياسي يتطلب حضور الرأي الشرعي باعتبار شمول الشريعة، وهذا الرأي يجعل كل قضية أو مسألة تحتاج إلى فتوى من شخص يكون غالباً غير متخصص في هذه القضايا، وهي محاولة لحشر هؤلاء الدارسين في أعمال لا تليهم.

 

إن حضور التشريع في الحقل السياسي والإداري والتنظيمي يكون في فضاء القيم الحاكمة للحياة التي يتعبّد الإنسان المؤمن بعمارتها ورعاية مصالح الناس فيها، وهي ثقافة واجبة التوفر في المسؤولين ويجب فحص فهمهم واستيعابهم وإدراكهم من خلال شهادة خبراء على ذلك الفهم والنظر في أدائهم وتجاربهم التطبيقية لا تلك الشهادات المشفوعة بالمجاملة واستصحاب الجهالة بالحال واسترضاء المتنفذين والتوسع في الحكم دون بيان.

 

هذه القيم تتمثل في تحكيم العدل وترجيح الفضيلة واعتماد الرفق في الرعية والتخفيف عنهم والمبادرة في خدمتهم والمنافسة في المسامحة... وقيم أخرى يراها الناس في أقطارهم. 

وينبغي الحذر من استشارة فقيه غير مستوعب لأطراف المسألة الموضوعة بين يديه أو غير فاهم لفقه التوازنات أو المتشدد في تناول قضايا السياسة أو لا يتمتع بمرونة كافية في قضايا التشريع المجتمعي أو غير خبير بفقه الدولة وفقه المجتمع وفهم الفروق بين الفرد والجماعة وتوجيه الفتوى وفق مسار صالح أو كان شديد المراعاة للسلطة المتنفذة لأغراض لا تمتّ للتشريع.

 

ومن الواجب عدم استشارة فقيه واحد بل يجب حشد فقهاء مع سياسيين ومفكرين لتكييف الحكم وفق أدوات صحيحة وبيانات دقيقة وعدم ترك المجال لتحكّمات الأهواء أو سطحية المعلومات المتداولة وهذه الاستشارة إنما تكون في أمور مشتبهة حساسة وفق تقدير سياسي شامل يوضع بين هؤلاء الفقهاء ليرشدهم إلى التدبر الصحيح.

 

والمسائل التي يستشار الدارسون للشريعة والفقهاء فيها هي التي تحال إليهم من دوائر الرقابة والتشريع في العمل السياسي إذا كانت قائمة وإلا فإن المبادرة بإصدار فتوى سياسية فينبغي فيها الابتعاد عن سلطة الحكم أو المتنفذين وينبغي فيها توسيع دائرة المشورة الفقهية الشاملة وتقويتها بآراء ذوي الاختصاص وألا تكون مستخدمة لأغراض حزبية أو تكتيكات عابرة. 

وفي المقابل فيجب أن نقطع دابر تدخل السلطات المتنفذة في الدين وعدم السماح لهم باستدعاء العاملين فيها لاستخدام الدين في شأن سياسي يخدم أغراضهم التكتيكية صوناً لقيم الدين وهيبته في النفوس.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين