الخوف من الله تعالى -2-

 

تضمنت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج إنسانية لأثر هذا الخوف العالي في تطهير السلوك الإنساني، وقيادته إذا اضطرب ـنحو الصراط المستقيم.

 إن امرأة ضغطت عليها الحاجة حتى ألجأتها إلى التفكير في تسليم نفسها لمن يملكون المال ولا يملكون الخلق وأولئك في الحياة كثير!.

 فلما واجهت المكروه ارتعد بدنها، وتلوى الشرف المكظوم في نفسها فلم تملك إلا البكاء...

 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان الكفل من بنى إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله.

 فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما أرادها على نفسها ارتعدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟، قالت: لأن هذا عمل ما عملته، وما حملني عليه إلا الحاجة،  فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله! فأنا أحرى، اذهبي فلك ما أعطيتك، ووالله ما أعصيه بعدها أبداً، فمات من ليلته، فأصبح مكتوباً على بابه، إن الله قد غفر للكفل فعجب الناس من ذلك).

 إن المرأة الطهور سر هذا التحول في نفس رجل قضى أغلب عمره في الآثام، ثم سرت في روحه عدوى الخير والعفاف والتقوى فأقلع عن غيِّه، واجتث أصول الشر من قلبه، وغيَّره الخوف من الله تعالى ، فآلى على نفسه لا يعصيه أبداً.

 فما أدركه الأجل وهو على هذه النيِّة الجازمة كانت توبته قد غسلت خطاياه، فمات مغفورا له!!

 إن خشية الله شيء عظيم...!!

 وإن النذر لتتلاحق في آيات الكتاب العزيز كي تشعل في الضمير هذا الشعور الهادي فلا يتعثر المرء ولا يضطرب.

 وإيقادا لهذه الشعلة، وارتقاباً لما يعقبها من آثار سجلت السنة النبوية قصة غريبة لرجل طالت إساءته، فلما احتضر اختلط في نفسه أمران: خوفه من عقبى ما فعل في ماضيه الطويل، وجهله الذي حيَّره في وسيلة للخلاص منه!.

 فماذا يصنع؟ امتزج خوفه وجهله في عاطفة ساذجة ووصاة جمع أولاده على تنفيذها بعد موته.

 قال عليه الصلاة والسلام: (كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فو الله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحد.

 فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك ففعلت، فإذا هو قائم.

فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك، فغفر له).

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر : كتاب الجانب العاطفي من الإسلام

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين