آذار وبحار الدم -18-

 

التقرير العقائدي ومفهومه عن الاشتراكية العربية

 

لقد وجه التقرير العقائدي (الذي تمخض عنه المؤتمر القومي السادس لحزب البعث) ولأول مرة رسمياً، ضربة قاسية لمفهوم (الاشتراكية العربية) للحزب. فبعد أن أشار إلى الجوانب الإيجابية لعمل حركة البعث السياسي، التي ربطت النضال القومي بالنضال الاشتراكي، يؤكد المؤتمر القومي السادس أن الحزب أطلق على الاشتراكية التي ينادي بها اسم (الاشتراكية العربية) في مواجهة سلبية للتحدي الشيوعي المحلي وفي محاولة لتأكيد القضية القومية.

إلا أن التأكيد على الصفة القومية للاشتراكية دون توضيح الأسس النظرية، أدى إلى نوع من العصبية القومية السلبية تجاه الفكر الاشتراكي العالمي. وبقيت اشتراكية الحزب التي سميت بـ(العربية) مجرد كلمة خالية من أي مضمون علمي، فصلت عن لحمتها الاجتماعية والطبقية. ويضيف المؤتمر القومي السادس بأن تعبير الاشتراكية العربية، كان من الممكن أن يكون نقطة انطلاق لتلمس الواقع العربي بكل تفاصيله وتناقضاته، وتحليل تكوينه الاقتصادي والطبقي. إلا أنه بقي هذا التعبير في كتابات البعث مجرد شعارات عامة وتسميات عاطفية حول (الخصائص العربية) للاشتراكية ومزاياها الأصيلة. كذلك فإن أعضاء المؤتمر بغالبيتهم يرفضون هذه (الخصائص الأصيلة)، ويتبنون تعبير (الطريق العربي إلى الاشتراكية) محل (الاشتراكية العربية). ذلك أن مضمون الاشتراكية واحد، لكن الطريق الذي يوصل إليها يختلف بين بلد وآخر، حسب ظروفه وأوضاعه الاجتماعية والتاريخية.

ومن ناحية ثانية، فإن المؤتمر القومي السادس يقوم بنقد مبدأ أساسي تقوم عليه اشتراكية البعث، وهو (الملكية الفردية) التي كانت تعتبر دائماً حقاً طبيعياً للإنسان. (إن الاعتراف بالملكية الفردية بشكلها المطلق ورغم تضييق نطاقها، هو ضرب من المفهوم البرجوازي الصغير. لأن المفهوم الاشتراكي العملي يعتبر العمل الإنساني المصدر الوحيد للقيمة. لذا فإن الملكية الفردية إذا تعدت نطاق الاستعمال الشخصي)، لا مفر من أن تصبح وسيلة لاستغلال الإنسان للإنسان.

ويشير التقرير العقائدي بعد ذلك إلى أن اعتراف الحزب بالملكية كحق طبيعي ترك آثاره السيئة والظاهرة في تركيبه وتكوينه الطبقي. وبما أن تكوين الحزب الطبقي والإيديلوجي بقي غير واضح، فقد اعتقدت البرجوازية والجماهير الشعبية على السواء أن اشتراكية البعث تلبي مصالح كل منهما، ونتج عن ذلك أن تنظيمات الحزب أحبطت من قبل البرجوازية والملاكين العقاريين من جهة، ومن قبل الجماهير الشعبية من جهة أخرى.. وهكذا استطاعت العناصر البرجوازية الصغيرة أن تصبح ذات أهمية رئيسية في قيادات الحزب على جميع المستويات، في حين أن العناصر من العمال والفلاحين كادت تكون غير موجودة.

ويعرّف التقرير العقائدي الاشتراكية بأنها (الملكية العامة لوسائل الإنتاج). وإنها نظام اجتماعي يخلق ظروفاً موضوعية، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، تحرر الإنسان من جميع أنواع الاستغلال والتسلط. وأن تحقيق المجتمع الاشتراكي - كما يقول التقرير - لا يمكن أن يأتي إلا عبر تعبئة الجماهير الشعبية من عمال وفلاحين ومثقفين ثوريين بقيادة طليعة منظمة تنظيماً قوياً.

ويعتبر التقرير أن من أهم الخطوات الأولى في تحقيق الاشتراكية هي في تأميم وسائل الإنتاج الكبرى والنقل والتجارة الخارجية والداخلية والملكية الزراعية الكبيرة، بتطبيق مبدأ: (الأرض لمن يحرثها).

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين