التحدث بنعم الله تعالى

ذكر ابن أبى الدنيا من حديث أبى عبد الرحمن السلمى عن الشعبي عن النعمان ابن بشير قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والجماعة بركة، والفرقة عذاب).

 وقال مطرف بن عبد الله: (نظرت في العافية والشكر، فوجدت فيهما خير الدنيا والآخرة، ولأن أعافى فاشكر أحب إلى من أن ابتلى فأصبر).

 ورأى بكر بن عبد الله المزني حمالاً عليه حمل وهو يقول: الحمد لله أستغفر الله، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: أما تحسن غير هذا؟.

 قال: بلى أحسن خيراً كثيراً، واقرأ كتاب الله، غير أن العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمه السابغة، واستغفره لذنوبي.

 فقلت: الحمال أفقه من بكر...!!

 وذكر الترمذي من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا.

 فقال : قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن ردا منكم، كنت كلما أتيت على قوله [فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ] {الرَّحمن:13} ، قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد).

 وقال مشعر: لما قيل لآل داود: [اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا] {سبأ:13} 

 لم يأت على القوم ساعة إلا وفيهم مصلي.

وروى سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: (دعا رجل من الأنصار من أهل قبلة النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقنا معه، فلما طعم وغسل يديه قال: الحمد لله الذي يُطعم ولا يطعَم، منَّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا،  الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافأ ولا مكفور، ولا مستغني عنه، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري وهدى من الضلال، وبصر من العمى، وفضل على كثير من خلقه تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين).

 وفى مسند الحسن بن الصلاح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل، ولا مال، أو ولد، فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت).

 ويذكر عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فرأى كسرة ملقاة فمسحها، وقال: يا عائشة: (أحسني جوار نعم الله فإنها قلَّما نفرت عن أهل بيت فكادت أن ترجع إليهم) ذكره ابن أبى الدنيا.

 وقال الإمام أحمد: حدثنا بن القاسم حدثنا صالح عن أبى عمران الجوني عن أبي الخلد، قال: قرأت في مسألة داود أنه قال: (يا رب كيف لي أن أشكر وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمك، قال فأتاه الوحى يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال بلى يا رب، قال فإني أرضى بذلك منك شكراً).

 وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبو موسى الأنصاري حدثنا أبو الوليد عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان من دعاء داود: سبحان مستخرج الشكر بالعطاء ومستخرج الدعاء بالبلاء.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية حدثني الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث قال: أوحى الله إلى داود (أحبني وأحب عبادتي وحببني إلى عبادي، قال: يا رب هذا حبك وحب عبادتك فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال: تذكرني عندهم فإنهم لا يذكرون مني إلا الحسن).

 فجلَّ جلال ربنا وتبارك اسمه وتعالى جده وتقدست أسماؤه وجلَّ ثناؤه ولا إله غيره...

 ومن دقيق نعم الله تعالى على العبد التي لا يكاد يفطن لها أنه يغلق عليه باباً فيرسل الله إليه سبحانه من يطرق عليه الباب يسأله شيئا من القوت ليعرفه نعمته عليه.

 وقال سلام بن أبى مطيع دخلت على مريض أعوده فإذا هو يئن فقلت له: أذكري المطروحين على الطريق، أذكري الذين لا مأوى لهم ولا لهم من يخدمهم.

قال: ثم دخلت عليه بعد ذلك فسمعته يقول لنفسه: أذكري المطروحين في الطريق، اذكري من لا مأوى له ولا له من يخدمه.

 وقال عبد الله بن أبى نوح: قال لي رجل على بعض السواحل: كم عاملته تبارك اسمه بما يكره فعاملك بما تحب؟، قلت: ما أحصى ذلك كثرة.

 قال: فهل قصدت إليه في أمر كربك فخذلك؟.

 قلت: لا والله، ولكنه أحسن إلى وأعانني.

 قال: فهل سألته شيئا فلم يعطكه؟.

 قلت: وهل منعني شيئا سألته، ما سألته شيئاً قط إلا أعطاني ولا استعنت به إلا أعانني.

 قال: أرأيت لو أن بعض بنى آدم فعل بك بعض هذه الخلال ما كان جزاؤه عندك؟ قلت: ما كنت أقدر له على مكافأة ولا جزاء.

 قال: فربك أحق وأحرى أن تدأب نفسك له في أداء شكره وهو المحسن قديماً وحديثاً إليك، والله تعالى لشكره أيسر من مكافأة عباده، إنه تبارك وتعالى رضي من العباد بالحمد شكراً.

 وقال سفيان الثوري: ما كان الله لينعم على عبد في الدنيا فيفضحه في الآخرة، ويحق على المنعم أن يتم النعمة على من أنعم عليه.

 وقال ابن أبي الحوارى: قلت لأبى معاوية: ما أعظم النعمة علينا في التوحيد نسأل الله أن لا يسلبنا إياه، قال: يحق على المنعم أن يتم النعمة على من أنعم عليه، والله أكرم من أني ينعم بنعمة إلا أتمها، ويستعمل بعمل إلا قبله.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر : كتاب الجانب العاطفي من الإسلام

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين