حجية السنة النبوية

 

بطلان الدعوة إلى قصر دورها مع ما جاء في القرآن

يحاول البعض أن يبعد السنة النبوية في مجال التشريع ، وأن يقصر دورها على ما جاء في القرآن الكريم صريحاً تبياناً وتفصيلاً لما فيه فقط، ويدعو إلى عدم وجوب التزام القضايا التي صرحت بها السنة النبوية الصحيحة ولم يرد ذكرها صراحة في القرآن الكريم : وانما يترك هذا لاجتهاد البشر حسب المتغيرات الزمانية والمكانية ، وحسب المصلحة التي تقتضي ذلك .

والحقيقة أن هذه الدعوة وان كان في ظاهرها حرص على اتباع القرآن وإعمال العقول وفق ما تقتضيه المصالح ، ولكن في حقيقتها مخالفة صريحة للقرآن الكريم نفسه ، ومخالفة لصريح السنة الشريفة ، وتنكب لما سار عليه علماء الأمة عبر عصورها ابتداء من عصر الصحابة والتابعين ثم أئمة الإسلام المهديين في كل عصر .

بل وإن المصلحة الحقيقية إنما في اتباع ما جاء في السنة النبوية لأنه حاشى لله تعالى أن يوحي لنبيه ما يخالف مصالح الناس أو يتناقض مع ما تدعو إليه العقول السليمة .

والحقيقة أن هؤلاء بهذه الدعوات الهدامة يلغون إرثاً نبوياً وفيضاً ربانياً ووحياً ثانياً خص الله به نبينا صلى الله عليه وسلم ، وشرف الله به أمة الإسلام من بين سائر الأمم بحفظ هذا الإرث المحمدي والعناية به بأرقى أساليب التوثيق والتدقيق ، والذي يُعَـدُّ من مفاخر أمة الإسلام .

1- أما مخالفة هذه الدعوى الباطلة للقرآن الكريم فهذا نجده في آيتين كريمتين :

أ- قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) فالتأكيد على طاعة الرسول بإعادة العامل ( أطيعوا ) يفيد بأن طاعة "الرسول" مطلقة كطاعة الله تعالى سواء كان الصادر عنه مصرح به في القرآن الكريم أو لم يصرح به .

ب- قوله تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ففي قوله "وما آتاكم"  إطلاق لوجوب امتثال ما أمر به دون أن يقيد ورود ذلك في القرآن ، وكذلك قوله " وما نهاكم " عام في اجتناب كل ما نهى عنه ، ثم جاء التحذير من مخالفة ذلك عندما ختمت الآية الكريمة بقوله : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ ? إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

2- وقد كشف لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الفئة التي تريد الاكتفاء من السنة ما يتوافق مع القرآن الكريم من ذلك : 

أ- ما رواه الترمذي عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه )  قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن صحيح 

ب- وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر  ) رواه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء

3- إجماع العلماء على حجية السنة :

لقد أجمع علماء الأمة قاطبة في كل عصر على حجية السنة مطلقاً، وجعلوها المصدر الثاني في التشريع ولم يقيدوا ذلك بأن يكون ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مصرحاً به في القرآن الكريم ، انطلاقاً مما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: " كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بكتاب الله. قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ قال أجتهد رأي ولا آلو؟ فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدره وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يُرضي رسول الله" أخرجه أحمد والدارمي وأبو داود والترمذي .

قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحدا أُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قبل خبره ، وانتهى إليه ، وأثبت ذلك سنة ،  وصنع ذلك الذين بعد التابعين ، والذين لقيناهم ، كلهم يثبت الأخبار ويجعلها سنة ، يحمد من تبعها ، ويعاب من خالفها ، فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعدهم إلى اليوم ، وكان من أهل الجهالة )  .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين