وصفة لارتكاب جريمة بضمير مرتاح

 

احتشد الناس في القدس قبل نحو ألفي عام رغبة في صلب المسيح.

من .؟ المسيح ..؟! .. ذلك الإنسان الذي صنعه الله على عينه نموذجاً للحب والحنان والتسامح والسلام .! .. نعم .!

ولماذا يريدون صلبه .. ما الجرم الذي ارتكبه .. وبم آذاهم ..؟

لا .. لا .. هذه أسئلة لا تسألها الحشود الغاضبة بتأثير حملات الكراهية والدعاية الكاذبة.

إن الفرد من الناس حين ينخرط في الحشود يفقد صفاته الشخصية ويتقمص صفات المجموع ، فقد لا يتحمل منفرداً رؤية فرخ مذبوح ولكن مع الحشود قد يشارك في سفك أنهار من الدماء ، هذه هي (سيكلوجية الجماهير) كما سماها "جوستاف لوبون" وهو ما شهد به التاريخ والحاضر الأليم.

إنها فلسفة توزيع الجريمة الكبيرة على حشد كبير من الناس فيكون لكل منهم نصيب صغير من الجريمة الموزعة على الحشد بحيث يتقبلها ضميره. فلسفة أبدع في الغوص فيها الدكتور "محمد كامل حسين" في قصته (قرية ظالمة) المنشورة عام 1958.

إن جريمة الحشود التي استهدفت المسيح تتجدد في كل يوم ؛ بل أصبحت اليوم أكثر يسرا مع أسلحة أشد فتكا، وقدرة إعلامية على الحشد أعظم أثراً.

إنها ذات الفلسفة التي جمّع بها جورج بوش ما يسمي المجتمع الدولي في حربه على العراق، وكان بمقدوره القيام بالمهمة القذرة وحده. ولكنه أدارها بمنطق الحشد الذي ستتوزع عليه الجريمة.!

ونفس الأمر يتكرر الآن : فبمقدور الولايات المتحدة بمفردها تدمير كل الدول في مسرح عملياتها في وطننا العربي في حربها المعلنة باسم حركي (محاربة الإرهاب)، ولكنها حريصة على جمع حشود من الشركاء والمنتفعين والمغفلين لتتوزع عليهم الجريمة ويكون نصيب كل منهم محتملاً على ما بقي له من ضمير ، وبمنطق: (يا عزيزي: كلنا لصوص).

ولأن القطيع هنا ليس من الحيوانات بل من الآدميين فالوصفة لارتكاب الجريمة بضمير مرتاح تكتمل إذا جملّناها بهدف يبدو إنسانياً .

فالذين سعوا لصلب المسيح فعلوها دفاعاً عن الدين والعقيدة.!

والذين دمروا العراق كان حماية للعالم من أسلحة الدمار الشامل.!

والذين يدمرون الحجر ويقتلون البشر في ساحة الحرب المشتعلة في بلادنا دون بلاد العالم يحمون العالم كله من الإرهاب والإرهاب المحتمل.!

هل هذه الدعاية صادقة أم كاذبة .. أين الأدلة .. مَن المستفيد .. ومَن الفاعل الحقيقي ...؟؟!

لا .. لا .. الحشود المُساقة كالقطيع من خلف حملات الدعاية وسموم الكراهية لا تسأل هذه الأسئلة الغريبة.!

إن المجرمين يعلمون تماماً أن جريمتهم يلزمها هذان العنصران:

جمع أكبر قدر ممكن من حشود المنتفعين وخلفهم من وراء الشاشات أكبر قدر ممكن من حشود المغفلين.

ثم إيهام القطيع بنبل الهدف الذي يرتكبون من أجله الجريمة .

قصة إنسانية مكررة من ذلك المشهد :

(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ.)

تكونوا من بعد قتل أخيكم وخلو الأرض لكم قوماً صالحين .؟!!!!

عجيب .. عجيب!!!! .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين