موقف د. خالد الشايع من الثورة السورية

انتشر مقطع على اليوتيوب‏- ‏YouTube- بعنوان: (الشيخ خالد الشايع الثورة السورية غير شرعية)، وقد ظهر فيه الشيخ خالد الشايع مع الإعلامي عبدالله المديفر في حلقة تلفزيونية كان يتحدث فيها عن ثورات الربيع العربي والخروج على ‏الحاكم.

الوقفة الأولى: ‏حول عزل الحاكم الذي أعلن الكفر البواح ‏

ذكر الشايع في هذا الموضوع أنه في: (الجانب الديني هناك حد معين يسمح به- وهو- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا"، لما قال الصحابة: أفلا  ننازعهم السيف- ننابذهم بالسيف-، قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة"، طيب وصلنا إلى أنهم- أي الحكام- شددوا حتى منعوا الصلاة، إلى أنه أعلن الحاكم الكفر البواح، هنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إلا أن تروا كفرا بواحا"، طيب رأينا كفرا بواحا، هل نقول: للناس توجهوا إلى خلع هذا الحاكم؟ هناك ضوابط، الشريعة متكاملة، والنصوص لا بد أن تجمع بعضها إلى بعض، نقول: لا مانع بشرط ألا يكون هنالك إراقة دماء، ولا إزهاق أرواح، إذا كان هنالك ضمانة بأن هذا الكافر الحاكم الذي أعلن الكفر ومنع الناس من إقامة أصول دينهم تستطيعون أن تزيلوه بدون أن يكون إراقة دماء وإزهاق أرواح فنعم، أما إذا ترتب على ذلك ولو روحا واحدة فلا).

وبالنظر في أقوال أهل العلم يظهر أن عزل الحاكم الذي أعلن الكفر البواح ‏عن ولاية الدولة المسلمة واجب، ولا ‏يقال فيه: ‏‏(إنه لا مانع... أما إذا ترتب على ذلك ولو روحا واحدة فلا)، ‏وقد بحث هذه المسألة فضيلة الدكتور وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ- رحمه الله- ‏فقرر في موضوع الثورة المسلحة من قبل الشعب على الحاكم ‏أنه‏: "لا يجوز الخروج على الحاكم إلا بإعلان الكفر صراحة، فإذا كفر بإنكار أمر من ضروريات أو بدهيات ‏الدين، حل قتاله، بل وجب، منعاً من فساده وفوات مصلحة تعيينه"، (الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، ج8، ص6195).

ولو أستمع الشعب الجزائري والشعوب العربية ‏إلى مثل هذه الأطروحات من قبل الشايع لما خرجت فرنسا من الجزائر ولما تحررت الشعوب العربية من الاستعمار؛ حيث إن ثمن تحرر الشعوب دماء لا محالة، وهذه سنة تاريخية، فالدولة التي ينعم بظلالها الشايع وكثير من الدول قامت بتضحيات بعض أبنائها بدمائهم.

واحتمالات النجاح أو الفشل مستمرة في كل الثورات والمعارك، لكن لا مجال لإيراد هذه الاحتمالات في ‏الثورات والمعارك ‏التي تخاض اضطرارا دون اختيار لرفع الظلم وإقامة العدل.                        ‏

وههنا تساؤلات حول ما طرحه الشايع:‏

من قال إن دفع الظلم ومقاومته لا يجوز أن تقطر فيه قطرة دم؟!‏

أولم يشرع الجهاد لدفع الظلم ورد العدوان؟!‏

أولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه ‏فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد".‏

‏ الوقفة الثانية: ‏حول تصور الثورة السورية

يبدو أن المديفر قد استغرب كلام الشايع فسأله قائلا: هل معناه الثورة في سوريا ثورة غير شرعية بهذا؛ باعتبار المآلات؟!

فكان مما أجاب به الشايع: (الذين فتحوا الباب على أهل سورية في ‏مواجهة حاكمهم والخروج عليه وهم لم يقيسوا العواقب ولم يأخذوا بالسنن الشرعية في هذا أنا أخشى أن من ‏فتح هذا الباب يبوء بهذه الأرواح التي أزهقت).

وبالنظر في هذا التصور يتضح أن تصوير الشايع للثورة السورية بالخروج على الحاكم دون النظر بالعواقب تصوير خاطئ، بل هو خروج الحاكم وميليشياته وتحالفاته على شعب مسالم؛ فالشعب وعلماؤه المخلصون طالبوا بحقوق طبيعية وبطريقة سلمية فقوبلت مطالبهم بالقتل والرصاص، مما اضطر بعض الشعب للاجتماع وفق استطاعته لدفع الصائل المعتدي.

فيظهر أن الشايع غير ملم بواقع الثورة السورية وفق ما جاء في المقطع، إذ مما هو معلوم أن الذي فتح باب المواجهة لأهل سوريا ‏مع نظام الأمر الواقع ‏إنما هو النظام نفسه بداية من ماضيه القمعي إلى إشعال فتيل الثورة بما فعل بأطفال درعا، إلى المواجهة بالسلاح للاحتجاجات السلمية للشعب الأعزل، والمنصف يعلم بأن الشعب السوري لم يَخْرُجْ على النظام رغم ما فيه وإنما أُخرِج مكرها من قبل نظام الأمر الواقع.

وبالتالي فإن تكييف الشايع هنا للثورة السورية وحال حاكمها وميليشياته مخالف للواقع، حيث إنه لم يقف على تكييف المسألة وفق الوقائع على الأرض.

الوقفة الثالثة: حول دعوى إقامة المعايش والشريعة بالإطار العام في سوريا 

ذكر الشايع حول (سورية قبل المواجهة قبل الخروج على الحاكم، نعم كان هناك أنواع من الظلم، وأنواع من الجور، لكن معايشهم قائمة، الناس في مصلياتهم ومعابدهم، نعم هنالك من ظلم، هنالك من يسجن، هنالك من يبغى عليه وفي حقه، لكن يبقى في الإطار العام أن الشريعة مقامة، الناس يصلون في مساجدهم).

وكما سبق فقد استغرب المديفر هذا الطرح متسائلا: الشريعة مقامة في سورية؟!

فرد الشايع: (أصول الشريعة كان الناس يصلون في مساجدهم، كان الناس يقيمون شعائرهم، الإطار العام قائم، هذا شاهدته بعيني أنا ذهبت إلى سوريا ‏وشاهدت ذلك الأمر). 

ومن المعلوم عند كل مطلع على المعايش في سورية أنه قد تم التضييق على الشعب السوري إلى حد تعطيل المصالح؛ تهجيرا وسجنا وتمييزا عنصريا وطائفيا وإفقارا وإذلالا وانتهاكا للكرامة والقيم، فكيف تكون المعايش مقامة في هكذا ظروف؟!  

وأما دعوى أن الشريعة في سورية كانت مقامة بالاستناد إلى السماح بإقامة الصلاة في المساجد فإنها دعوى مفتقرة للإحاطة بالواقع حيث إن إقامة الصلاة الجماعية ممنوعة في كل المراكز العسكرية السورية، كما أن إقامة الصلاة الفردية ممنوعة في بعض المراكز العسكرية، فضلا عن منع صلاة الجمعة والأعياد في المراكز العسكرية، كما هو معلوم عند كل مطلع على أحوال الحياة العسكرية في الجيش السوري.

الوقفة الرابعة: حول توضيح الشايع لموقفه من الثورة السورية ببيان لاحق للمقابلة التلفزيونية  

يبدو أن ما ذكره الشايع بالمقابلة التلفزيونية عن شرعية الثورة خرج منه عرضا دون أن يكون محور الموضوع الأساس عن الثورة السورية، حيث أراد أن يؤكد وجهة نظره التي كان يطرحها بعدم جواز الخروج على الحاكم حتى حال الكفر البواح إن كانت هناك دماء ستراق. 

ولما رأى أن كلامه عن الثورة السورية بالحلقة التلفزيونية مع المديفر لم يكن في سياقه الصحيح أرسل بياناً لموقع ‏CNN‏ بالعربية، ‏يوضح فيه موقفه من الثورة السورية، وقد نشر الموقع مقتطفات من البيان على موقعه في مقالة بعنوان: جدل حول شرعية الثورة السورية والشايع يوضح لـCNN حقيقة تصريحاته، والتي نشرت يوم الجمعة 09 مايو/أيار 2014م.

ومما جاء فيها أن الشايع ذكر أن: (القول بأن الثورة السورية غير شرعية، مجاف لما دل عليه الشرع.. ويتعارض مع ما تفي به العقول السليمة، ومعاذ الله أن أعتقد ذلك)، وأن (الواجب نصرة إخوتنا أهل الشام المجاهدين لهذا النظام النصيري)، لافتاً إلى أن (من جملة نصرتهم إمدادهم بالسلاح والعتاد، وما يدافعون به عن أنفسهم، ويواجهون به آلة البطش النصيرية، ومن يقف معهم من النظام الصفوي وفرعه في جنوب لبنان)، وأوضح أن (ما جاء في البرنامج حول بدايات الثورة، هو المقصود بالسياق).

وههنا تعقيب لا بد منه، وهو أن الشايع صور الثورة السورية في هذا البيان بأنها ثورة على نظام الطائفة النصيرية والنظام الصفوي، لكن علماء سورية المؤيدين للثورة لا يصورونها كذللك، وإنما يصورونها على أنها ثورة ضد الظلم، وأن السلاح فيها حمل لدفع الصائل المعتدي عليهم، فعلى الرغم من استخدام نظام الأمر الواقع الطائفية وحشدها بهذا الاتجاه في سورية فإن علماء الثورة السورية لا ينظرون إليها بهذا المنظار حتى لا تنحرف بوصلتها عن هدفها الرئيس في رفع الظلم وإقامة العدل بين جميع أبناء الشعب السوري.

الوقفة الخامسة: حول موقف الشايع من بدايات الثورة السورية

كتب الشايع مقالة في بدايات الثورة السورية بعنوان: "وجوب نصرة أهل سوريا وبيان شدة عداوة وضرر النُّصيريين على الإسلام وأهله"، وقد نشرت على موقع صيد الفوائد، الرياض، التاريخ: 15 ربيع الأول 1433ه الموافق 7 فبراير 2012م. 

ومما ذكر في المقالة أن: (المرحلة الراهنة والتي ازداد فيها بغيُ الحكومة السُّورية وجيشُها نحو شعبها تقتيلاً وتنكيلاً ، بغياً وترويعاً... لا يسع معها السكوت لكل من كان له قدرةٌ في تغيير هذا الظُّلم العظيم، كلٌّ بحسب قدرته ومسئولياته، كما قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ رأى منكم مُنكَراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فَبِلِسانه، فإن لم يستطع فبِقَلْبِه؛ وذلك أضعفُ الإيمان". رواه مسلم من حديث أبي سعيد).

كما ذكر فيها أن: (الواجب على رؤساء الدُّول الإسلامية أن يبذلوا غاية ما يستطيعون في كفِّ الضَّرر ومنعِ البَغي الواقع على الشعب السوري).

وتطرق إلى ما حصل في الثمانينات في حماة وسوريا حيث ذكر (مجزرة حماة التي دامت 27 يوماً بدءاً من 2 شباط/فبراير 1982 م. والتي حشد النظام السوري فيها سرايا الدّفاع ولواء دبابات ولواء ميكانيك وفوج إنزال جوِّي (قوات خاصّة). فضلاً عن مجموعات القمع من مخابرات وفصائل حزبية مسلّحة. وسقط ضحية هذه العملية الإجرامية العسكرية وفق مختلف التقديرات إلى نحو 40 ألف قتيل ، وهُدِّمت أحياء بكاملها على رؤوس أصحابها ، كما هُدم 88 مسجداً، فيما هاجر عشرات الآلاف من سكَّان المدينة هرباً من القتل والذَّبح والتَّنكيل. إضافة لمجازر أخرى كمجزرة سجن تَدمُر ومجزرة حماة ومجزرة سجن صيدنايا، وغيرها كثير).

كما تناول في مقالته عقائد الطائفة النصيرية وتاريخها، ومما ذكره في ذلك أن: (من يسبر عقائد النُّصيرية يجدها خليطاً من المعتقدات النَّصرانية والمجوسية والسَّبَئية ونظريات الفلسفة ‏اليونانية، وهذا الخليط راجع لاتصالهم بهم وتذبذبهم).

‏وههنا وقفة أيضا؛ حيث إن الثورة السورية لم تنطلق من منطلق محاربة عقائد الطائفة النصيرية أو تاريخها، وإنما انطلقت من منطلق رفع الظلم ودفع الصائل ونصرة المظلوم وإقامة العدل، ورغم أن نظام الأمر الواقع قد عمل على تكريس الطائفية والعنصرية إلا أن علماء الثورة السورية والثوار أقاموا الثورة لرفع الظلم وإقامة العدل لكل أبناء الشعب السوري، ورفضوا نهج نظام الأمر الواقع ورفعوا شعار: واحد واحد واحد الشعب السوري واحد. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين