آذار وبحار الدم -16-

 

الديمقراطية الشعبية (الحرية)

 

لابد في هذا السياق من أن نعود قليلاً إلى الوراء وان نشير تلميحاً إلى ما كانت تفهمه حركة البعث العربي.. منذ تأسيسها.. من اصطلاح (الحرية). في الحقيقة وواقع الأمر، كانت كلمة الحرية تأخذ دائماً في أدبيات البعث السياسية صفة (القداسة). ففي مقال للأستاذ ميشيل عفلق تحت عنوان: (لماذا نحرص على الحرية؟).. يعتبر مؤسس حركة البعث ومفكرها.. أن قضية الحرية هي قضية جوهرية في حياة الفرد الشخصية وفي حياة الأمة على حد سواء. ويؤكد بهذا الصدد على أن (الحرية لا تتجزأ فلا يمكن أن نثور على الاستعمار الأجنبي ثم نسكت عن الاستبداد الوطني. لأن الدافع الذي يحركنا ضد الاستعمار هو نفسه الذي يمنعنا الآن من الرضا بالاستبداد.. أما الذين لا يستطيعون أن يحكموا الشعب إلاّ إذا استعبدوه.. فهذا الشعب الذي غلب الاستعمار.. سوف يريهم كيف يستطيع التخلص من حكمهم والتحرر من عبوديتهم).

فحرص مؤسس الحزب على الحرية ودفاعه عنها -كما يقول- ليس شيئاً نظرياً (لا علاقة له بالواقع. فالحرية هي التي تسمح للشعب أن يعرف أين يذهب خبزه اليومي وكيف تبذر ثروته وثمار عمله وإنتاجه.. وتتيح له أن يعرف المدى الذي بلغه في تحقيق استقلاله والنواقص التي تشوب هذا الاستقلال..).

وهكذا فإن التعلق بالحرية والدفاع عنها إنما هو تعلق بحياة الفرد الشخصية وبحياة الأمة ككل.. وأن المعركة التي تخاض من أجلها ستكون والحالة هذه (معركة حياة أو موت). إذ أن (الحرية ليست مواد في الدستور ونصوصاً في القوانين وليست هي مجرد موضوع للخطابة والكتابة.. ولكنها عمل قبل كل شيء. إنما لن تدخل حياتنا ما لم نرخص الحياة في سبيلها ولن نفرض على الحاكمين احترامها وَنُشعر الشعب بقيمتها وقدسيتها إذا لم يكن إيمانا بها جهاداً ودفاعنا عنها استشهادا).

لذلك ومن هذا المنطلق.. فإن نهضة الأمة العربية لا يمكن لها أن تتحقق إلا إذا تمتع كل فرد بحريته الشخصية وبحقه في التعبير عن رأيه سواء في الصحافة أو عن طريق الاجتماعات العامة أو في تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية. وليس هناك من سلطة تستطيع أن تعطي لنفسها حق كبت الحرية الشخصية والحريات العامة لأي سبب كان. يؤكد حزب البعث.. في (الدستور) الذي أقره المؤتمر التأسيسي الأول في 7 نيسان 1947م.. (أن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن إرادة الجماهير.. كما أن قدسيتها متوقفة دوماً مع نمو حرية الفرد.. لذا فإن حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة لا يمكن لأية سلطة أن تنتقصها).

لهذا فإن المؤتمر القومي السادس.. عند تحليله وتقييمه لمفهوم الحرية في إيديولوجية حركة البعث العربي.. يرى بأنه كان ينبع من مفهوم (رومانسي مجرد). وإذا كانت الحرية قد فهمت بشكل عام على أنها تحرير للإنسان العربي.. تحرير سياسي واقتصادي بكل صوره وأشكاله.. إلا أن الحزب (لم يتصد لمحاولة تصحيح مفهومها الاجتماعي والطبقي بشكل كامل وملموس). إذ أن (الحرية بشكلها السياسي لم تكن مفهوماً مجرداً مطلقاً.. بل هي دائماً حرية ملموسة ذات مضمون اجتماعي محدد.. منحت لطبقة ومنعت بشكل أو بآخر.. عن طبقة أخرى).

لقد اعتقدت حركة البعث ومنذ تأسيسها أن النظام السياسي الذي يجسد مفهومها لهذه الحرية.. يكمن في تطبيق الديمقراطية البرلمانية على النمط الغربي. وقد اعتبرت الديمقراطية البرلمانية هذه (ضرورة) لكي يستطيع الشعب (أن يحصل على حقوقه في جو من الحرية). فكل حكومة إذاً لا تكون منبثقة عن انتخابات عامة أو لا تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً (يجب أن تزول ويحل محلها حكومة من الشعب وللشعب) وتخضع لرقابته العامة. 

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين