قل نار جهنم أشد حرَّاً

 

عناصر المادة

1- نفس من أنفاس جهنم

2- سبل النجاة من النار

 

مقدمة:

إنها آية نعيشها في أيامنا هذه تذكر القلوب الحية بمشاهد يوم القيامة، إنها آية تنبه النفوس الغافلة لأحداث عصيبة مهيبة مخيفة، قال الله فيها: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14].

وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ونادى في مثل هذا الحر الشديد، نادى بأعلى وصوته مخوفاً من يوم الوعيد، نادى محذراً ومنبهاً لكل العبيد (أنذرتكم النار) أحمد / 18360

يا لها من آية ما أعظمها لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، يا لها من آية ما أقواها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

لله في الآفــــاق آيات لعل         أقلها هو ما إليه هـداك

ولعل ما في النفس من آياته       عجب عجاب لو ترى عيناك

والكون مشحون بأسرار إذا       حاولت تفسيراً لها أعــياك

ربي لك الحمد العظيم لذاتك      حمداً وليس لأحد إلاك

إنْ لم تكن عيني تـراك فإننـي      في كل شيء أستبين عُلاكـا

----------------------------------------------------------------

فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ   أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ

وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ                  تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ

وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ                 وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ

1- نفس من أنفاس جهنم:

إن ما يمر بالبلاد والعباد من ارتفاع حرارة الطقس، واقتراب أشعة الشمس، وغليان فروة الرأس، ليذكر المؤمن بالاستعداد ليوم الحساب ويوم الجزاء، يوم الجنة والنار، إي والله إنها لعبرة لمن أراد أن يعتبر هذه الحرارة المتزايدة التي تغلي منها أجساد العباد، وتحترق بها أرض البلاد، تذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ) [ 1 ]

اللهم لطفك اللهم سلم سلم إن كان كل هذا الحر فقط نفس من أنفاس جهنم، فيا الله ما أشد حرها وما أعظم عذابها وأشنع أهلها، اللهم رحمتك، اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك.

عباد الله: إن من أعظم ما ينبغي أن تُعدَّ له العبارات، وتذرف لهوله العبرات، تذكر أهوال النار وما فيها من عذاب أليم وهول جسيم وخطب عظيم، فقد بكى من هول النار الأنبياء والمرسلون، وخاف من عذاب النار الأولياء والصديقون، ووصفهم ربهم فقال فيهم: {وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ *  إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} لهذا قال رسول الله منبهاً أصحابه وأمته: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَ لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ) [ 2 ]

وصدق القائل: "عجبت للجنة كيف ينام طالبها وعجبت للنار كيف ينام هاربها".

أيها العباد: أنها الأهوال والمصائب، إنها الشدائد والمتاعب إنها النار الكبرى لو قيست بنار الدنيا لكان كقياس أشعة الشمس بالشمعة، وإن ما نحن فيه من حر صيف النهار، إنذار ووعيد بشدة حر النار، ذلك اليوم العصيب الذي تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق، وتخرج النار لها شهيق وزفير يلتهب، تكاد تميز من الغيظ، تُجر جهنم يومئذ إلى أرض المحشر بسبعين زمام على كل زمام سبعون ألف ملك، لا إله إلا الله ما أشد كرب ذلك اليوم، يوم يقال فيه لجهنم {هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أجارنا الله من النار أجارنا الله من النار أجارنا الله من النار.

ما أُنذر العباد ولا خوف الخلق بشيءٍ أشرَّ من النار، النارُ موحشةٌ، أهوالُها عظيمةٌ، وأخطارُها جسيمةٌ، وعذابها أبداً في مزيد، لا يُفتر عنهم وهم فيه مبلسون كلما خَبتْ زادها الله سعيراً.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصخرةَ العظيمةَ لتلقى من شفير جهنم فتهوي فيها سبعينَ عاماً، ما تفضي إلى قرارها)

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "أكثروا ذكرَ النارِ، فإن حرَّها شديدٌ، وقعرَها بعيدٌ، وإن مقامعَها حديدٌ" [ 3 ]

الأمر جد وهو غير مزاحِ       فاعمل لنفسك صالحاً يا صاحِ

ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار يوماً، فقال لأصحابه: (أترونها حمراءَ كناركم هذه؟ لَهِيَ أسودُ من القَارِ) [ 4 ]

أُوقدَ عليها ألفُ عام حتى احمّرت، وألفُ عامٍ حتى ابيضت، وألفُ عامٍ حتى اسودّت فهي سوداءُ مظلمة، لها تغيظٌ وزفيرٌ، قال تعالى: {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 12-13].

وقال تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} [الحجر: 43-44].

وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71-72].

إلهـي لا تعذبنـي فإنـي       مقـرٌّ بالذي قـد كـان منـي

ومالي حيلـة إلا رجائـي       لعفوك إن عفوت وحسن ظني

2- سبل النجاة من النار:

ما من مؤمن إلا ويخشى النار، ويخاف من غضب العزيز القهار، وما من مؤمن إلا وهو يرجو النجاة من غضب الملك الديان، ويسأل الله على الدوام العتق من النيران، ولكن ما هو السبيل إلى الفوز بالأجر والثواب، والنجاة من العذاب والعقاب، قال الله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].

لذلك، فإن المؤمن إذا رأى شدة الحر، تذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

فيسعى جاهداً لفكاك نفسه وأهله، من النار، وإني لأبشركم من فضل الله تعالى علينا أن سبل النجاة من النار كثيرة يسيرة لا تجمعها خطبة ولا يحصيها خطيب، فأبشروا وأملوا.

عباد الله: نحن بشر ضعفاء لا نطيق حر الصيف ولا لهيب شمس الدنيا، فمن ذا الذي يصبر على حر النار وعذاب القوي القهار، لا أحد إي والله لا أحد يستطيع الصبر على حر النار ولو للحظة واحدة.

إلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ اَهلاً        ولاَ اَقْوَي عَلَى النَّارِ الْجَحِيْمِ

فَهَبْ لِي تَوْبَةً واغْفِرْ ذُنُوْبِي      فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ

وعَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ        وثَبِّتْنِي عَلَي النَّهْج الْقَوِيْمِ

لذلك كان على العاقل الحصيف والمؤمن اللبيب أن يبحث عن طوق النجاة وسلم السلامة لينجو وأهله من النار، لأنه يعلم علم يقين أن النجاة كل النجاة أن ينجو العبد من النار، وأن السلامة كل السلامة أن يسلم العبد من عذاب الله، فيوم القيامة قادم ولن ينجي منه إلا الاستعداد له:

من كان حين تصيبُ الشمس جبهته      أو الغبارُ يخاف الشيـن والشعثا

ويألف الظـــل كي تبقى بشاشته       فسوف يسكن يومـا راغما جدثا

في ظــــل مقفرةٍ غبراء مظلمةٍ         يُطيل تحت الثرى في غمها اللبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به يا نفــس        قبــل الــردى لم تخلقي عبثا

وهاكم أيها الراجون رحمة الله الخائفون من عذاب الله أسباباً للنجاة من النار: 

السبب الأول والأعظم للنجاة من النار: إنه الإيمان بالله ربا والإسلام دينا ومحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، إنه التوحيد طوق النجاة من النيران، إنه التوحيد سلم الوصول إلى الجنان، فكما أنه لا يدخل الجنة مشرك فكذلكم لا يدخل النار موحد، فيا أيها الموحدون عيشوا على التوحيد وموتوا على التوحيد ولو قرضتم بالمقاريض ونشرتم بالمناشير، الله الله في الإيمان والتوحيد، عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ رضي الله عنه: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) [ 5 ]

قلها بقلب صادق وأحسن الظن بالله ورحم الله الشافعي عندما قال: 

إن كنت تغدو في الذنـوب جليـدا         وتخاف في يوم المعاد وعيـدا

فلقـد أتاك من المهيمـن عـفـوه         وأفاض من نعم عليك مزيـدا

لا تيأسن من لطف ربك في الحشا         في بطن أمك مضغة ووليـدا

لو شــاء أن تصلى جهنم خالـدا          ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيــدَ

السبب الثاني الاعتصام بحبل الله: وهو سبب لنجاة الأمة من نار الدنيا ونار الآخرة، فيا قادة الفصائل وربان الميدان ويا تاج الرؤوس ويا عطر النفوس، أيها المجاهدون الأحرار أيها المقاتلون الثوار نجاتكم من النار في وحدتكم، نجاتكم من النار في اجتماعكم، نجاتكم من النار في تآخيكم، قال الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ? وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى? شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} [آل عمران: 103]. 

أيها القادة الأخيار: والله إن نار الدنيا من تسلط الأعداء وشدة البلاء، والله إن نار الآخرة وما فيها من حديد وصديد وعذاب شديد ستكون بالمرصاد لمن خان هذا الشعب الضعيف ولم يتنازل لمن هو أقدر منه على القيادة، ولا يغرنكم أنكم مجاهدون، فلا ينفع الجهاد مع الشقاق فهذا درب النفاق وقد قال الله في وصف من يحبهم من المجاهدين {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4]. 

وقد بين رسول الله أن ذهابكم وزوال عزكم وانكسار شوكتكم إنما هو بالفرقة التي هي عذاب ونار فقال المصطفى المختار: (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) [ 6 ]

وقال: (عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ) [ 7 ]

وقال: (فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) [ 8 ]

وواقعنا شاهد أننا نؤكل فرادى، ألا فارعووا، ألا فتنبهوا، قبل أن تغرق السفينة فلا تجدون في النار لا ناصراً ولا مؤيداً.

دم المصلين في المحراب ينهمر       و المستغيثون لا رجع و لا أثر 

يا أمة الحق إن الجرح متسع        فهل تُرى من نزيف الجرح نعتبر 

يا أمة الحق ماذا بعدُ قد نفدت       كل الدعاوي و كلت دونها الفِكرُ 

ماذا سوى عودة لله صادقةٌ         عسى تُبدل هذا الحال و الصور 

يا أمة الحق ماذا بعدُ هل قُتلت       فينا المروءات و استشرى بنا الخور 

أما لنا بعد هذا الذل معتصمٌ        يجيب صرخة مظلوم و ينتصر 

أما لنا من صلاح الدين يُعتقنا       فقد تكالب في استعبادنا الغجر 

يا أمة الحق إنا رغم محنتنا       إيماننا ثابت بالله نصطبر 

فقد يلين زمانٌ بعد قسوته        و قد تعود إلى أوراقها الشجرُ

السبب الثالث إلى أمتي: اعلمي يا أمتي أنه لا نجاة لنا من نار الدنيا ونار الآخرة إلا بالجهاد، نعم الجهاد، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10-11].

فاعلموا يا شباب الأمة أن ما نحن فيه من عذاب إنما هو بترك الجهاد، ويا ليت الأمر انتهى هنا ولكن إن لم نتب ونعود للجهاد فإنها نار الآخرة بالمرصاد، قال الله: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ? وَاللَّهُ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 39].

واحذروا أيها الشباب من قول الله في وصف وذم المنافقين: {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81].

وتذكروا فضل الجهاد وفضل العمل الصالح في ساح القتال وتذكروا قول رسول الأنام عليه الصلاة والسلام: (من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حرَّ جهنم عن وجهه سبعين خريفًا) [ 9 ]

وعَن عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) [ 10 ]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ سَرِيَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [ 11 ]

الله أكبر، هنيئاً لكم أيها المجاهدون وحياكم الله أيها المرابطون فالنار لا تمس أقدامكم والنار تحجب عن وجوهكم والنار لا تقترب من عيونكم، اللهم فأعظم لهم الأجر وأجرهم من الحر وانصرهم كما نصرت أهل بدر، واجعلهم في جنات ونهر عند مليك مقتدر.

أحب المجاهدين ولست منهم      وأرجو أن أنال بهم شفاعة

وأكره من تجارته العقود       وإن كنا سواء في البضاعة

السبب الرابع الصدقة تطفئ غضب الرب: وتنجي العبد من كل كرب، وعندما تدنو الشمس من رؤوس الخلائق قدر ميل، ويرتفع العرق إلى شحمة الأذنين، في ذلك الحر الشديد والكرب الشديد تأتي الصدقة لتكون ظلاً لصاحبها ووقاية له من الحر والنار، فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ منه، فلا يرى إلا ما قدم، و ينظر أشأم مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لم يجد فبكلمة طيبة) [ 12 ]

وعن عائشة أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاثة تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار) [ 13 ]

وأخيراً أيها الفضلاء: الخوف من النار يوجب أخذ الحيطة منها، والمبادرة للأعمال المنجية من الوقوع فيها، فإن كان حر الصيف آلمك وأزعجك، فتذكر حر الآخرة ولهيب النار هناك، فإن هربت هنا من حر الشمس إلى ظل من حجر أو شجر، وتبردت بشيء من المبردات تحت مروحة أو ماء بارد، فهناك في أرض المحشر لا ظل إلا العمل الصالح، ولا وقاية من النار إلا بالعمل المبرور، فكل ابن آدم هناك خاسر هالك إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

إن للهِ عباداً فطنـا تركوا       الدنيا وخافوا الفتنـا

نظروا فيها فلما علمـوا       أنها ليست لحي وطنـا

جعلوها لجة واتخذوا          صالح الأعمال فيها سفنـا

واسمعوا من الله إلى سبيل النجاة من النار في سورة المعارج: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى * إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج: 15-35].

أخي الخائف من النيران أخي الطامع في الجنان تدبر وتأمل هذه الآيات من سورة المعارج وواظب عليها واعمل بها ولتكن هذه الصفات في تلك الآيات نبراس حياتك ومنهاج عملك ومنارة طريقك، عندها أبشر بنجاتك من النيران وأبشر بدخولك الجنان.

سبعة أصناف في ظل العرش: لقد جعل الله هذا الحر آية من آياته يذكرنا فيها بحر الموقف يوم القيامة وحر جهنم، ولئن كنت تهرب من حر الشمس في الدنيا فأنت بالهروب من حر الموقف يوم القيامة أولى ولكن لا ملجأ ولا ظل ولا شجر، فالأرض بيضاء عفراء مستوية ليس فيها معلم لأحد.

ولكن أبشر فقد جعل الله لسبعة أصناف من عباده مكرمة في الموقف العظيم في ان يستظلوا بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فبادر أخي المسلم لأن تكون من أحدهم، قال صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاَءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسْجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ) [ 14 ]

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبـي     جعلت الرجا منـي لعفـوك سلمـا

تعاظمنــي ذنبــي فلما قرنتـه        بعفوك ربي كان عفــوك أعظمــا

فما زلتَ ذا عفو ٍعن الذنب لم      تـزل تجـود وتعفـو مـنـةً وتكـرمـا

عسى من له الإحسان يغفر زلتـي        ويستـر أوزاري ومـا قـد تقدمـا

---------------------------

1 - متفق عليه

2 - أحمد / 21516 وغيره.

3 - الترمذي/ 2575وصححه الألباني.

4 - رواه مالك بسند صحيح/ 3648.

5 - البخاري/128

6 - السنة لابن أبي عاصم/93

7 - الترمذي/2165 وصححه الألباني

8 - المستدرك /765

9 - متفق عليه.

10 - البخاري /907.

11 - الترمذي/1639.

12 - متفق عليه

13 - مسلم/ 2630

14 - متفق عليه

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين