نصر قريب -9- جهاد التمكين والجهاد الموجه

نُذبح .... ويظهروننا وحوشا معتدين

 

النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ:

ميز إسلامنا العظيم في نصوصه بين النصر والتمكين. فوعدنا ربنا جل وعلا في كتابه الكريم بالنصر فقال: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } [التوبة: 14]. كما وعدنا في مكان آخر بالتمكين فقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

وأكدت السنة الشريفة هذا الفرق بين "النصر" و"التمكين". فقد صح عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ. وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ. وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ. فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ". رواه أحمد وغيره. فما هو الفرق بين النصر والتمكين من جهة؟ وهل أحدهما تحصيل حاصل بعد حصول الآخر من جهة ثانية؟ وأخيرا كيف نحقق كلا منهما؟

 

الانتصار في المعارك لا يعني الانتصار في الحرب:

ثم رأينا التاريخ يصدق الكتاب والسنة. فوجدنا أن النصر لا يحقق بالضرورة التمكين. وهو أمر طبيعي فالنصر هو الانتصار في المعارك. أما التمكين فهو النجاح في نتائج الحرب النهائية أو النجاح في بناء وتحقيق الحضارة أو ما عبر عنه القرآن بتحقيق الأمن بعد الخوف. مما يؤكد المعروف في العلوم العسكرية والسياسية: أن المنتصر في المعارك قد لا ينتصر في الحرب ولا يحقق أهدافه!

والأمثلة على أن المنتصر في المعارك قد يخسر الحرب كثيرة جدا منها أن بريطانيا دخلت الحرب العالمية الثانية لكي تحافظ على مستعمراتها وعلى كونها الدولة الأولى في العالم. فظهور ألمانيا النازية أخذ زمام المبادرة من بريطانيا وهددها في مستعمراتها. فأشعلت بريطانيا الحرب العالمية الثانية وحاربت فيها بقوة وضراوة منقطعة النظير. ودمرت بلدها ودمرت أوروبا والعالم حولها. وخرجت من المعارك منتصرة هزمت ألمانيا النازية واحتلتها. لكنها مع ذلك لم تحقق أهدافها من الحرب! بل خسرت مستعمراتها وخسرت مكانتها. وأزيحت عن مقعد الصدارة العالمية.

ودخلت دولة جديدة على الساحة الدولية هي أمريكا التي أخذت مركز الدولة الأولى في العالم. والتي أخذت على عاتقها تصفية الاستعمار القديم بكل مستعمراته بما فيها المستعمرات البريطانية. أي أن بريطانيا انتصرت في المعارك لكنها لم تستطع الانتصار في الحرب بل هزمت. ومن الأمثلة أيضا الثورات العربية والإسلامية على الاستعمار التي قادها مجاهدون أبطال وانتصروا فيها لكنها لم تحقق لهم أهدافهم من العدل والحرية والكرامة. بل انتهت ثورات طلب الحرية إلى أنظمة قمعية قهرية غاشمة.

 

ننتصر في المعارك ونخسر الحروب ؟

وأقرب مثل معاصر هو مثل العراق أثناء احتلاله في عام 2003. حيث دخل الثوار المعركة ضد المحتل بكل بسالة وبطولة. وكانوا كلهم تقريبا من السنة. واستطاعوا ضرب الاحتلال ضربات قاصمة خلقت له مشاكل لا قِبَل له بها. وقدموا أروع صور البذل والفداء والاستشهاد. كل ذلك البذل ليحققوا نصرا مؤزرا ولكنهم سلموه على طبق من ذهب للروافض الخونة الذين دخلوا العراق على متن دبابات المحتل.

والذين عاملوا أهل العراق الكرام بعدها أسوأ من معاملة المحتل الغريب! فهل كتب علينا أن ندفع ثمن النصر لينتفع به من بعد أشد أعادائنا ؟؟ أم أن الله سبحانه لا يريد منا إلا الاستبسال في ساحات الوغى والاستشهاد فقط كما يشيع بعض الغوغاء ؟؟؟ فلا وعي ولا خطة ولا تقييم ولا شيء. حتى إنك لتجد الحمقى يتفاخرون بعملية استشهادية ينفذها طبيب متخصص جراح مثلا.

وهو تفاخر قمة في الحماقة؛ فالأمة وعائلة الطبيب لم تنفق أكثر من مليون دولار على تعليمه وتدريبه ليتخرج ونقتله في عملية يفجر فيها نفسه! فتكلفة السنة الأولى من كلية الطب بحسب جامعة ييل $73.800 لسنة واحدة. فكيف وهو يدرس طب 4 سنوات. و4 ما قبل الطب. ثم يتدرب بين 4 إلى ثمانية إن كان جراحا. ويتدرب في بعض التخصصات 11عاما. كل ذلك فضلا عن التعليم الأساسي لمدة 12 عاما!

 

الجهاد الموجه:

أفنتوقع بعد حماقات من هذا النوع أن نحقق الانتصار في الحرب فضلا عن التمكين؟ لعله لذلك يرى الناظر إلى واقعنا اليوم أن انتصار الحركات الإسلامية لا يقتضي التمكين أبدا. بل لعله كان نقمة على أهله وعلى الشعب المسكين. رأينا ذلك في العراق. ورأيناه قبل ذلك في الصومال. ورأيناه في أفغانستان. بل إننا لم نجد انتصار حركة إسلامية صمد بعد انتصار لا ضد الهجمات الخارجية ولا الداخلية. ولا وجدناه حقق الأمن ولا حتى لقادته ورموزه.

في المقابل نجد أن الجهاد النبوي الشريف وجهاد الصحابة الكرام يتطابق تقريبا مع واقعنا الذي نعيشه اليوم حيث المسلمون ضعفاء فقراء. عدوهم قوي جدا وكثير جدا. أما الفروق بيننا وبينهم فهي في مصلحتنا اليوم وتظهر في أن مسلمي السلف كانوا قلة ونحن كثرة كاثرة. لكنهم مع ذلك كله ومع كون جهادهم سجالا أحيانا، لكنه كان دائما ينتهي بالنصر التام بل والتمكين الذي ما نزال نعيش على آثاره إلى اليوم.

فما الذي جعل انتصاراتهم في المعارك انتصارات في الحروب بل وبداية بناء التمكين. وجعل انتصارنا اليوم انتصار نقمة على أبطاله وعلينا جميعا ؟

لعل أول جواب قبل التفصيل هو: الشحن النفسي مولد العاطفية الزائدة التي تجعل شباب المسلمين ألعوبة بيد أعداءهم. فيوجهونهم إلى الجهاد في المكان الذي يريدون. وبالطريقة التي يريدون. ثم يسلمونهم للأعداء بعد أداء مهمتهم. ويكون أعداؤنا هكذا قد اصطادوا عصفورين بحجر واحد: استخدموا أولا خيرة شباب البذل والعطاء في خدمة أهدافهم. وثانيا تخلصوا منهم ومن الصداع الذي قد يشكلونه ضدهم.

والمثل العراقي المشار إليه آنفا خير مثال. فقد كان في يد النظام المجرم في دمشق أشخاص كثر مثل عنصر المخابرات: محود قول آغاسي (أبو القعقاع) الذي مثَّل دور شيخ مسجد يلقي خطب جمعة عصماء ويجند الأجناد للجهاد في سبيل الله. لكنه في حقيقة الأمر عنصر من استخبارات النظام البعثي المجرم. فيأخذ هذا المجرم خيرة الشباب المضحي بنفسه في سبيل الحق والعدل. ويستخدمهم في قتال المحتل وهزيمته. فقط ليسلم الحكم في النهاية للهلال الرافضي! فيحقق الهدفين: الخلاص من خيرة الشباب. واستخدام الخلاص منهم وسيلة لإجبار المحتل على تسليم الحكم للهلال الطائفي!

ولأن الشباب مشحون عاطفيا بدون دراسات أو علم أو قيادة واعية تقوده إلى الخير يوجهه هؤلاء المساكين لما فيه حتفهم ماديا أو معنويا. فمن منا لا يعرف عداء الإعلام المغرض للإسلام. لكننا مع ذلك نعطيهم الطلقات لتطلق علينا مثل الفيديو الذي انتشر في الانترنت لرجل أخرج كبد جيفة لأحد قتلى النظام الأسدي، وأراد أن يأكله أمام المصورين، (إن كان هذا الفاعل من الثورة أصلا). والمقصود من نشر أعدائنا لهذه المشاهد بيان أن مثل هذه الأفعال المشينة هي ممارسات في الثورة. وهي لا ترفضها بشدة ولا تبين مخالفتها للشرع.

 

جهاد التمكين هو المطلوب:

ويدعم للأسف هذا الهياج النفسي عند الشباب المتحمس من يتبجح ويظهر نفسه وكأنه صاحب علم فيصرح بأن دور المسلم هو الاستشهاد والذهاب إلى الجنة. ونسي هؤلاء الحمقى أو تناسوا أن خير البشر صلى الله عليه و إخوانه وآله وسلم لم يكن شهيدا. وحتى خير الأمة بعده وخليفته لم يكن كذلك، مع توقهم لذلك إن كان في هذا ضرورة للدعوة. و قد مر معنا قول الله سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

فالله سبحانه قد أرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل إقامة العدل وليس من أجل أن يموت الناس شهداء. لكنه يحب الشهداء ويكرمهم ويرفعهم إلى أعلى الدرجات لأنهم ضحوا بأنفسهم من أجل إقامة العدل ونفع الناس. أي أن الشهادة وسيلة ولست غاية. أما الغاية والهدف فهو إقامة العدل ونفع الناس وتكريمهم حتى ولو تكلف هذا التكريم حياتي وجميع ما أملك.

ولعل سقوط المسلمين بالبخل وفقدان التضحية وخاصة بالنفس الذي كان شائعا قبل الربيع العربي هو ما حمل الناس على رفع الشهادة والتبشير بها حتى تحولت إلى غاية. وما كان للشهادة إلا أن تكون وسيلة لا غاية. وإلا لما كان مشروع الاستخلاف قائما أصلا. فخلق آدم عليه الصلاة والسلام في القرآن إنما هو مشروع استخلاف.

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]. وهذا بحاجة لشيء من التفصيل لكن المقام لا يسمح به. وسنكتفي بالإشارة القرآنية إلى أن من البشر من يصل إلى تلك المكانة بالعدل: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].

مما يوجب على المسلم طلب وعد التمكين الذي وعده الله سبحانه. والعمل الدائب على إقامة شروطه من أجل تحقيقه. مما يعني أن التمكين والأمن هما هدف المسلم في سلمه وحربه. وأنه إن اضطر للجهاد وجاهد وضحى بنفسه فإنما يجاهد ويضحي في سبيل إقامة الحق والعدل وتمكينهما وتأمين الناس. فالمسلم {رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ} وليس مجرد مشروع شهادة.

مع التأكيد على أهمية الشهادة ورفعتها وسيلة يضحي صاحبها بنفسه ودمه من أجل مصالح الناس وتكريمهم وتأمين حياتهم. مما سبق ندرك أن بعض الجهاد القائم اليوم والذي تدعو له بعض الجهات على ما نحسب من إخلاصها وبذلها مثل الحركات الجهادية مثلا ليس الجهاد المأمور به في الكتاب والسنة. فجهاد الكتاب والسنة هدفه "التمكين" و"الأمن" كما نصت الآية الكريمة. وجهاد هؤلاء الطيبين المساكين جهاد طلب للشهادة فقط.

فتحولت الوسيلة عندهم إلى غاية. وفاتتهم مقاصد التشريع النبيلة. وفاتهم قاعدة أصول الفقه التي تقول: العبرة بالمقاصد والمعاني وليست في الألفاظ والمباني. كل ذلك مع ما نحسب من حسن نيتهم وإخلاصهم في سبيل الله عز وجل. فصاروا بقلة علمهم مثل من يعبد الطائرة لأنها وسيلة توصلهم لأداء ركن من أركان الإسلام! أو مثل أهل السفينة الذين لا يريدون أذى من فوقهم فأرادوا خرق السفينة الذي يغرق الجميع.

يقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ {وَالْمُدَّهِنِ} فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ {فِي البَحْرِ}. فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا. فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ. فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا. وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا". صحيح البخاري وغيره.

 

مأتى هؤلاء:

وما أوتي هؤلاء المساكين إلا من قبل قلة علمهم. وفقدانهم الآليات الصحيحة من إتيان ذا الرأي و المشورة والنزول عند رأيه ومشورته كما علمنا سيدنا عمر رضي الله عنه: الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ عَفِيفٌ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ، يَأْتَمِرُ فِي الْأُمُورِ إِذَا أَقْبَلَتْ وَيُسْهِبُ. فَإِذَا وَقَعَتْ يَخْرُجُ مِنْهَا بِرَأْيِهِ. وَرَجُلٌ عَفِيفٌ مُسْلِمٌ لَيْسَ لَهُ رَأْيٌ فَإِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ أَتَى ذَا الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ فَشَاوَرَهُ وَاسْتَأْمَرَهُ، ثُمَّ نَزَلَ عِنْدَ أَمْرِهِ. وَرَجُلٌ جَائِرٌ حَائِرٌ، لَا يَأْتَمِرُ رُشْدًا وَلَا يُطِيعُ مُرْشِدًا.

ويستطيع أحدنا أن يقرر عن نفسه وعمن حوله إذا ما كان أهلا للحكم على الأشياء والرجوع إلى رأيه، من خلال صفاته: هل هو ممن يَأْتَمِرُ فِي الْأُمُورِ إِذَا أَقْبَلَتْ وَيُسْهِبُ؟ أي هل ينظر ويطيل في مقبل الأمور ويضع ما نسميه سيناريوهات لكل احتمالاتها، ثم يصف طرق مناسبة للتعامل معها؟ حتى إذا ما وقع سيناريو مما كان قد وصف يخرج منه بما قد وضع له من علاجات وطرق مناسبة للتعامل معه. فإن كان كذلك وقد نجح في تصور احتمالات المستقبل مرة أو أكثر. ونجح في وضع حلول مناسبة صلح أن نرجع إليه ونستشيره وننزل على رأيه ومشورته.

فإن لم يكن كذلك فالواجب عليه إذا أن ينزل عند رأي من تنطبق عليه الصفات السابقة. أما المثل العملي على تطبيق ملكة رؤية قادم الأيام والإسهاب فيها ووضع علاجات لجميع احتمالاتها فهو: ماذا نفعل في ثورتنا إن قطعت عنا جميع المساعدات مثلا ؟ أو ماذا يفعل من يريد حرب أمريكا إن حاربها فقررت أن تضربه بقنبلة نووية تقضي على مليوني مسلم دفعة واحدة؟

 

عناصر الانتصار في المعارك:

لعلنا الآن ندرك بوضوح لماذا انتهت الانتصارات في معارك السلف إلى انتصارات في الحروب وبناء للتمكين. وانتهت انتصاراتنا في المعارك إلى هزائم في الحروب. ولم تنجح ولا مرة واحدة في بناء تمكين أو حتى أقل من التمكين بكثير وهو القدرة على الدفاع عن الحدود! فعناصر صناعة النصر في المعركة أهون بكثير من عناصر صناعة نصر الحروب أو التمكين. إذ يكفي للانتصار في المعارك:

1) الإخلاص.

2) التكتيكات العسكرية.

3) وشيء من الإستراتيجية العسكرية أحيانا.

4) الانضباطية العسكرية.

5) وحدة القيادة.

أما عناصر جهاد التمكين فكثيرة وعميقة. وأولها كما علمنا عمر رضي الله عنه:

 

1) التفكر فِي الْأُمُورِ إِذَا أَقْبَلَتْ والإسهاب فيها والإطالة.

2) وضع تصور لجميع احتمالاتها.

3) وضع خطط للتعامل مع كل احتمال على حدة.

4) إدراك مآلات الأحداث وردات العدو القريبة والمتوسطة والبعيدة الأجل.

5) ومن شروطها إدراك أن العمل العسكري ليس إلا أداة للوصول إلى الهدف السياسي.

6) وبالتالي فلا نصر بدون امتلاك جناح وتصور سياسي مقتدر.

7) إدراك موقعنا في خريطة العالم وحجمنا وفهم ميزان القوى.

8) إدراك أهمية الإعلام والاقتصاد والانضباطية وولاء الشعب.

فمن تصدر المشهد وظن أنه قادر على القيادة وهو لا يعرف ما مر وأفتى الناس يكون قد خالف أوامر القرآن التي أمرت المسلم بالسؤال إذا لم يكن من أهل العلم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43]. وتكون دماء المسلمين في رقبته يوم القيامة. ويكون قاتلا كما تعلمنا السنة الشريفة؛ عَنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا {أَصَابَهُ جُرْحٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ} أَجْنَبَ فِي شِتَاءٍ، فَسَأَلَ فَأُمِرَ بِالْغُسْلِ. فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ.

فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مَا لَهُمْ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ"؟! ثَلَاثًا. "{أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ؟! أَلَا يَمَّمُوهُ} قَدْ جَعَلَ اللَّهُ الصَّعِيدَ طَهُورًا". صحيح رواه أبو داود وغيره. وهذه مجموعة من بعض المفاهيم التي يجب أن يعرفها أي مفتي في الحرب أو القيادة ويكون قاتلا إن أفتى وهو لا يعرفها:

مفاهيم عسكرية:

1. العملية التكتيكية

2. العملية الإستراتيجية

3. متى تتحول العمليات التكتيكية إلى إستراتيجية

4. فوائد العمليات التكتيكية

5. المناورة المستمرة و المناورة الإستراتيجية

6. مصادر التسليح

7. البيئة الحاضنة وحمايتها

8. الاستفادة من الإمكانيات المتاحة

9. الانسحاب التكتيكي والاستراتيجي

10. تكلفة القتال

11. تعريف القتال: سياسة حامية

12. خضوع العسكري للسياسي

وعليه أيضا أن يعرف أكثر بكثير من المفاهيم السياسية التالية:

1. تعريف السياسة

2. الأمن الوطني

3. المصلحة الوطنية

4. قاعدة ارتكاز الحكم

5. رفع الروح الوطنية

6. معنى الفردية أو الدكتاتورية

7. ما هي الحكومة الراشدة.

8. معيار نجاح الحكومة.

9. موازين القوى

10. معنى الزخم الشعبي

11. التحالفات

12. المناورة السياسية

 

فمن تصدر أو قاد أو أفتى بغير معرفة كمية أكبر بكثير من المفاهيم التي مرت يكون متبعا للشيطان. قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83]. فإن كان مضطرا فيجب أن يعرف ذلك فلا يطلب المنصب أو الصدارة. ويجب أن يبحث باستمرار عمن هو أكثر تأهيلا منه ليؤمره على نفسه. وعليه أن يطلب مساعدة الناس في البحث عن المؤهل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين