رسالة عاجلة إلى كتائب ريف حمص الشمالي

 

 

إخواني المجاهدين الكرام
السلام عليكم ورحمة الله

 

الأصل في المسلم أن يحسن الظنّ بأخيه وأن يختلق للمقصّرين الأعذار، لذلك فإنني لم أحبّ أن أخوض مع الخائضين في دعاوَى التخاذل عن نصرة حمص المحاصَرة، تلك الدعاوى التي ما نزال نسمعها منذ سنة والتي سارت بها رُكبان الثورة في المنتديات والصفحات.

 

مهما يكن موقفُكم الحقيقي ومهما تكن الأسباب التي دعتكم إلى تجنب المشاركة الفاعلة في معركة حمص فإن ما ينبغي أن تدركوه أن النظام يخوض معركة شاملة على الأرض السورية كلها، وأن تأجيل فتح جبهة من الجبهات لا يعني أنه تخلى عنها، وأن حمص وأريافها الغربية والجنوبية والشمالية هدف لا مجال عنده للتنازل عنه، فهي من أولويات أهدافه ومن أهمها بعد العاصمة والساحل.

 

وإنكم تعلمون أن النظام قد فرغ من حمص المدينة أو كاد، وفرغ من الريف الجنوبي والريف الغربي أو كاد، وصار جاهزاً لابتلاع الريف الشمالي، ولعل هجومه المرتقَب على الرستن وتلبيسة قد ظهرت بوادرُه فيما رأيتم خلال اليومين الماضيين، وأحسب أن الحملة كانت ستبلغ أوجها خلال أيام لولا معركة الساحل التي فاجأت النظام على غير توقع فصرفت انتباهَه عنكم إلى حين.

 

ما ينبغي أن تعرفوه -أيها الإخوة الكرام- هو أن الثورة السورية ليست مجموعةً من المراكب الصغيرة تُبحر على سطح الماء، فإذا غرق مركبٌ نجا غيرُه وإذا فشل البعض في الوصول إلى بَرّ الأمان وصل آخرون. لا يا سادة، إنها سفينة واحدة عظيمة يركب فيها الجميع، فإمّا أن ينجُوا جميعاً أو يهلكوا جميعاً، إما أن تصل بركّابها كلهم إلى ميناء الأمان أو تغرق -لا قدّر الله- ويغرق معها الجميع.

 

لماذا نقول هذا الكلام الآن من دون سائر الأيام؟ لسبيين: أولهما أن الدَّور قد وصل إليكم واقترب البَلّ من ذقونكم (كما يُقال)، فإلاّ تتداركوا الأمرَ بالانتقال الفوري من الجمود إلى الحركة ومن الدفاع إلى الهجوم وتأخذوا زمام المبادرة يوشكْ النظامُ أن يُحكم الطوقَ عليكم بإحكام ثم يجتاحكم ويُفنيكم لا قدّر الله.

 

السبب الثاني (وهو الأهم): إن الفرص لا تتكرر كثيراً ولا تأتي كلَّ يوم، فإذا فقدنا الفرصةَ التي لاحت اليوم فقد لا تأتي الفرصةُ الآتية إلا بعد شهور طوال مشحونة بالمآسي والدماء والدموع والآلام، وقد تأتي الفرصةُ القادمة وأنتم غير موجودين لأن النظام لن يمهلكم حتى ذلك الحين.

 

إن العدو مشغولٌ اليومَ بمعارك عدة قد شتَّتت انتباهَه وبعثرت قُواه، في حلب وريف حلب، وفي ريف حماة الشمالي وريف إدلب، وفي درعا والساحل، فضلاً عن استنزافه المستمر في غوطتَي دمشق الشرقية والغربية، فإذا تحركتم اليوم وقفزتم على الفرصة قبل ضياعها حققتم الكثير.

 

آن الأوان لتدمير حاجز ملوك وبقية حواجز الريف الشمالي، آن الأوان لفتح الطريق إلى حمص، إنها فرصة نادرة كما قلنا آنفاً، وهي قد تكون الفرصةَ الأخيرة لإنقاذ مدينة حمص، بل ولإنقاذ الريف الحمصي كله بشماله وجنوبه وشرقه وغربه. نعم، إنها الفرصة الأخيرة لإنقاذ محافظة حمص كلها من السقوط والضياع.

 

إذا لم تتحركوا من أجل حمص فتحركوا من أجل أنفسكم، فإن النظام إذا سَلِمَ أكل الجميع، لا فرق بين منطقة ومنطقة إلا بالتوقيت، فمأكولٌ معجَّلٌ ومأكول مؤجَّل، وبالنتيجة الكلُّ مأكولون، إلاّ أن تقوموا قَوْمَةَ الرجل الواحد فيغدو هو المأكول وأنتم الآكلين بإذن الله رب العالمين.

 

اللهمّ إني قد بلغت، ومَن شاء أن يُخْليَ ذمّته فلينشر هذه الرسالة حتى تصل إلى أصحابها؛ أسأل الله أن يجعلهم سامعين مستجيبين مبادرين غيرَ متردّدين ولا ناكصين، وأن يكتب النصر المبين على أيديهم وأيدي سائر إخوانهم من المجاهدين الصادقين. اللهم آمين.

 

ملاحظة ختامية: نعلم أن في الريف الشمالي رجالاً وشبّاناً هم من خيرة المجاهدين وأحرصهم على الجهاد، كما هم سائر المجاهدين في سوريا كلها، ولكنّ الكتائب لا تتحرك إلا بأوامر وخطط وتعاون وتنسيق، فهذه الرسالة ليست للطعن برجولة وصدق المجاهدين، إنما هي لاستنهاض الهمم وتحريك القيادات بإذن الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين