قصة لبنان

انه لمن المفيد تذكير من نسي ان اول من منع رجال المقاومة الفلسطينية من الانطلاق بعملياتهم الفدائية من بلاده هو رائد القومية العربية جمال عبدالناصر. وبهذا شق الطريق لمن يريد المنع ويخشى العواقب.

تبعه حافظ أسد الذي سجن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (وهذا ما يجهله كثير من الناس) عندما حاول أن يقوم بعملية فدائية انطلاقا من الاراضي السورية.

ولعل كثيرا من رجال المقاومة كانوا يحسنون الظن ببطل القومية العربية جمال عبدالناصر وبطل شعارات الصمود والتصدي حافظ أسد . لكن بعد أن قطعت مصر وسورية الطريق وسدت المنافذ على المقاومين أدرك أصحاب الفهم من الفلسطينيين وغيرهم مبكرا مالم يدركه بعض الناس عن هذين الزعيمين وحقيقة صمودهما وتصديهما حتى أيامنا هذه.

وعندما انقطعت أمام المقاومة سبل العبور من مصر وسورية الى فلسطين المحتلة وجدت المقاومة في لبنان ميدانا لوجودها وانطلاقها وتضاريس تناسب العمل الفدائي. غير أنه ما ان اتخذت المقاومة بعض الاراضي اللبنانية منطلقا لها وتمكنت من ارباك العدو المحتل حتى حدث مالم يكن في الحسبان.

لقد اثخنت المقاومة الفلسطينيه اسرائيل بالجراح وعجزت دولة العدوان المؤيدة من الشرق والغرب عن لجم المقاومة وكبح جماحها . حينئذ وجد المراوغ الكبير حافظ أسد الفرصة مواتية لتحقيق مشروعه الطائفي باسداء خدمة كبرى غير مجانية لنفسه ولاسرائيل. فهو يعلم أن اسرائيل سوف تقدر هذه الخدمة وتدفع ثمنها. وقد كانت هذه الخدمة برهانا ساطعا على استعداد الاسد لأقصى درجات الخيانة, وكانت رسالة واضحة الى اسرائيل ورعاتها الغربيين يقول فيها الأسد لاولئك جميعا انكم لن تجدوا من هو قادر بلا خوف ولا تردد على خدمتكم ضاربا بالامة ومصالحها ومصيرها عرض الحائط. والثمن هو مساعدتي في تحقيق مشروع طائفي يخدمني ويخدمكم يدمر الأمة ويقدمها لقمة سائغة لكم وللباطنيين . أما هذه الخدمة فان عنوانها الكبير ذبح المقاومة الفلسطينية والقضاء عليها لاهداف خبيثة تتوارى وراء عناوين وشعارات خادعة.

دفع حافظ أسد الجيش السوري الى لبنان سنة 1976 في ظل كذبة كبرى وخدعة انطلت على شرائح من الناس وهي حماية المسيحيين من بطش الفلسطينيين . وهذه الحجة وحدها كافية _ عند من يمعن النظر فيها _ ليعرف ان الهدف هو ذبح الفلسطينيين والقضاء على المقاومة كما يظهر من دعوى الأسد حماية المسيحيين من الفلسطينيين . لكن الذي حدث بعد ذلك هو أن الأسد قضى على المقاومة وذبح الفلسطينيين ولم يحم المسيحيين بل استخم بعضهم أدوات لأغراضه ونكل بكل من لم يقبل مؤامرته منهم.

واذا كان من مصلحة اسرائيل والدول التي أنشأتها القضاء على المقاومة فما هي مصلحة الأسد وكيف التقت مصلحته مع مصلحة أعداء الأمة.

كان الأسد لا ينظر الا بعيون طائفية ولا يفكر الا بعقل طائفي وقد رأى بعينه الطائفية ان المقاومة قوة مسلمة (يسميها سنية ) مسلحة , ولا يغير هذه الحقيقة عنده ان بعض قادتها وافرادها بعيدون عن دينهم. وكان الأسد قد اعد مشروعا طائفيا للمنطقة لم يعلن عنه (وزاد المشروع خطورة بعد ثورة الخميني الصفوية ) وقد رأى الأسد أن المقاومة الفلسطينيية تشكل خطرا كبيرا على مشروعه فكان لا بد من القضاء عليها. وهو بهذا منسجم مع أحقاده الطائفية ومتناغم مع القرار الصليبي الصهيوني بأن لا يكون للمسلمين قوة وأن لا يصل المسلمون الى الحكم في أية دولة من دولهم .

أراد الأسد سرقة لبنان من أهله والقضاء على المقاومة ليخلو الميدان له و للصفويين وليحكموا سيطرتهم عليه ليغدوا فيما بعد جزءا من سورية الكبرى ولو دون قرار معلن , وحينئذ  تصبح سواحل البحر الابيض المتوسط من لواء اسكندرون وحتى جنوب لبنان بيد الباطنيين وتكون في المستقبل منفذا لامبراطورية المجوس ويتحقق اتصال الطائفي الأسد مع اسرائيل من الأراضي اللبنانية فلا يقف عندئذ في طريق تقديم خدماته وحمايته لاسرائيل أدنى عائق ولا شك أن اسرائيل ستبادله خدمة بخدمة وحماية بحماية.

وهنا أمر في ذروة الخطورة لا يرتاب فيه كل من له خبرة سياسيه هو أن الأسد أعجز وأجبن من أن يدفع جنديا سوريا واحدا من سورية الى لبنان ( ولبنان هو ما هو بالنسبة الى اسرائيل والغرب) الا باذن اسرائيل والولات المتحدة والاتفاق معهما.

وقد كتب هنري كيسنجر الذي كان وزير خارجية الولايات المتحدة في مذكراته المطبوعة تفاصيل اتفاق الخيانة مع الأسد الذي حددت فيه الاهداف ورسمت الخطوط الحمراء والخضراء بدقة قبل دخول الجيش السوري الى لبنان. ولولا هذا لأباد الطيران الاسرائيلي الجيش السوري المندفع لاحتلال لبنان خاصة وانه لا يحظى بتغطية جوية كافية.

ومن جملة التضليل أن القوات التي دخلت لبنان سميت قوات الردع , وقد  كانت قوات ردع حقا , ردعت المسلمين والمقاومة وطحنتهما طحنا واستطاع الأسد بمكره وخيانته أن يحمل العرب على دفع تكاليف سيطرته على لبنان واذابة المقاومة واخضاعها للروافض الذين حولوا لبنان الى ئكنة عسكرية صفوية مدخرة لمثل هذه الأيام.

وما لبثت الحقائق أن ظهرت لا يغطي سوءتها شيء اذ أن الأسد لم يكتف بما ذكرناه من عدم حماية المسيحيين بل أقصاهم واغتال كثيرا من قادتهم وفعل فيهم أكثر مما ادعى الأسد أن الفلسطينيين فعلوه فيهم. لكن الضربة. القاضية كانت للمقاومة الفلسطينية التي هي أكبر تحد لمشروعه , فالأسد لا يستطيع أن يستولي على لبنان ولا يستطيع ان يضعه بين انياب الروافض ( بموافقة اسرائيل وضمن صفقة معها ) الا اذا اخمد انفاس المقاومة وقضى عليها..

سيطر الأسد بجيشه ومخابراته وعملائه على لبنان ولم يسلم من شره المسيحييون والدروز وليس المسلمين فقط فقد قمع الجميع واخرسهم وبقي الروافض وحدهم ينعمون بالأمن لم يمسهم الأسد وجيشه بسوء بل بذل كل ما يستطيع لاتخام مناطقهم بالسلاح وملء الجيش اللبناني بهم بل زاد الطين بلة بأن استورد أعدادا كبيرة من النصيريين وجنسهم رغم أنف اللبنانيين الأحرار ووضع أكثرهم في طرابلس معقل ( السنة ) وصار لهم منطقة سميت جبل محسن ليكونوا جيشا بملابس مدنية يقض مضاجع هذه المدينة ويشعل فيها النار كلما اقتضت ظروف الطائفيين ذلك.

وحتى يكتمل مسلسل احكام الهيمنة الطائفية اتخم الأسد الوزارات والدوائر والمراكز الحساسة بالروافض والنصيريين حتى غدا اللبناني غريبا في بلده يتحكم فيه الطائفيون أنى سار وتوجه.

ومن حلقات تصفية المقاومة قتل الفلسطينيين دون تفريق بين مدني ومقاتل وذلك في الكرنتينا وتل الزعتر وغيرهما من جملة مجازر كثيرة لا يمكن أن تنسى . ثم جاء شارون وأقدم على مذابح صبرا وشاتيللا بمساعدة حركة أمل التي يرأسها نبيه بري والتي كان حسن نصرالله من البارزين فيها.

ومن المعروف أن مقاتلي أمل كانوا أدلاء الجيش الاسرائيلي وأعوانه في قتل الفلسطينيين رجالا ونساءا واطفالا ولم يمتنعوا عن اغتصاب النساء وذبح الكبار والصغار حتى اضطر من نجا من الفلسطينيين ان يأكل من جثث اخوانه القتلى . 

وقد وصف مراسلون غربيون غير متهمين بالانحياز للفلسطينيين تلك المذابح والدور القذر لحركة أمل وصفا يفتت الصخر ويرق له قلب الحديد. والأمر المهم الذي لا بد أن نشير اليه هو أن الجيش الأسدي كان في موقع النظارة وكأنه يشاهد تمثيلية ضاحكة والواقع أنه كان يحمي القوات الاسرائيلية لتتمكن من القيام بذبح أكبر عدد من الفلسطينيين بوحشية يندى لها جبين البشرية.

الماسي كثيرة والخيانات تترى فقد جاءت حلقة أخرى من حلقات تصفية المقاومة هي حصار البحرية الاسرائيلية مدينة طرابلس من البحر بعدما لجأ اليها الزعيم ياسر عرفات وراحت تمطرها بالقذائف في الوقت نفسه كان الجيش الأسدي يحاصرها برا ولم يقصر في صب جام حقده عليها فوقعت هذه المدينة الباسلة بين نارين وارغم ياسر عرفات على الخروج منها على يد بطل الصمود والتصدي وكان هذا الحادث بداية طي صفحة المقاومة الفلسطينية في لبنان.

ونقول بداية طي الصفحة لأن الطي النهائي سيكون على يد حزب الله صنيعة ايران ونظام الأسد وهكذا سيطر الأسد على لبنان بالجيش الذي قتل الالاف بالاغتيالالت والتفجيرات وبالروافض والنصيريين وبسرقة لبنان ونقلها غنائم بسيارات الجيش الى سورية وبعد هذا اصبح لبنان أسيرا مكبلا وغدا رئيسه دمية بيد الحاكم العسكري السوري يأتمر بامره ويخضع لاملائاته وصارت الحالة اللبنانية حالة معقدة تحير العقلاء وسنتكلم باذن الله في حلقة قادمة عن حزب الله لماذا أسس وماهو دوره. والحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين